التضخم .. بدأ مع الجائحة ومستمر مع الحرب

إن فيروس كورونا الذي اجتاح العالم منذ بداية عام 2020 حتى يومنا هذا، كان له الأثر الكبير على جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والتي كان أبرزهاالتصاعد الطردي لمعدلات التضخم عالميا وخليجيا. ويعزو هذا الارتفاع في معدلات التضخم إلى عاملين رئيسيين هما ضغوط أسواق العمل وقيود سلاسل التوريد. حيث أدت القيود الاجتماعية التي تم فرضها للحد من انتشار فيروس كورونا إلى تخفيض عدد العاملين الخادمين في جميع قطاعات الإنتاج والخدمات مما انعكس سلبيا على عمليات انتاج البضائع ونقلها. كما قامت العديد من الدول بفرض قيود للتنقل وحظر التجول مما تسبب بإغلاق المصانع بشتى أنواعها، علاوة على اتخاذها إجراءات مختلفة لفحص العاملين او اغلاق حدودهم الجوية والبرية والبحرية، مما تسبب بمنع وصول البضائع و منع تنقل العاملين .أخذا بعين الاعتبار أن الفيروس بحد ذاته قام باختراق صفوف العاملين وإصابتهم مما أدى الى عدم قدرتهم على العمل لفترات متواصلة وبنفس الفترة الزمنية.

يعود الارتفاع في معدلات التضخم إلى عاملين رئيسيين هما ضغوط أسواق العمل وقيود سلاسل التوريد

وفي هذا الصدد، كان قطاعي التجزئة والمطاعم من القطاعات التي تعرضت للآثارر الاقتصادية المترتبة على فيروس كورونا، حيث اضطر هذين القطاعين لزيادة اسعارهم بنسب متفاوتة بين 8% و17% عالميا. فعلى سبيل المثال، قامت سلسلة المطاعم العالمية الشهيرة ماكدونالدز في الولايات المتحدة الامريكية بزيادة أسعار وجباتها بنسبة 8% لتغطية الارتفاع الهائل في المكونات الغذائية الرئيسية لوجباتها. لذلك، فإن هذا التأثير المباشر والضغط السريع في أسعار المواد الرئيسية وتحميل هذه الزيادات على المستهلكين اثر بشكل سريع على زيادة التضخم بوقت قياسي. كما أنه وبنفس الوقت الذي كان العالم يستعد للخروج من الجائحة بفضل اللقاحات وارتفاع نسبة المتعافين من الفيروس، اجتاح العالم خبر التوتر السائد في أوروبا الشرقية بسبب اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، والتي أصبحت عامل محرك آخر للتضخم من خلال تأثيرها على خطوط إمداد العديد من المنتجات الرئيسية مثل الزيوت، الغاز الطبيعي، الحنطة، القمح، وغيرها من المواد الغذائية والطاقة، كون كلا الدولتين – روسيا وأوكرانيا – تعتبربان من الدول الرئيسية المصدرة لهذه المنتجات عالميا.

قامت سلسلة المطاعم العالمية الشهيرة ماكدونالدز في الولايات المتحدة الامريكية بزيادة أسعار وجباتها بنسبة 8% لتغطية الارتفاع الهائل في المكونات الغذائية الرئيسية لوجباتها

ما هو التضخم؟ وكيف يتم حسابه؟

تقوم الحكومات بتتبع مقياس التضخم عن طريق متابعة اسعار المنتجات والخدمات بشكل عام في الدولة، وذلك من خلال اخذ عينات لهذه المنتجات بشكل سنوي واحتساب التغير في أسعار هذه العينة المختارة. كما أن أحد الوسائل الرئيسية التي تتبعها الحكومات لقياس التضخم وعوامل اقتصادية أخرى هو استخدام مؤشر يسمى بـ “الرقم القياسي لأسعار المستهلك ” أو ما يطلق عليه “Consumer Price Index – CPI”. وعلى الرغم من تشابه تعريف مصطلح “التضخم” بمصطلح “الرقم القياسي لأسعار المستهلك” من ناحية أن كلاهما يتم استخدامهم لقياس متغير الأسعار بشكل عام خلال فترة زمنية معينة. إلا أن “الرقم القياسي لأسعار المستهلك” ينظر الى مجموعات محددة من السلع الأساسية التي يتم استهلاكها ويتم حساب متغير اسعارهم خلال فترتين زمنيتين. كما تجدر الإشارة إلى أن الأوزان التي يتم استخدامها في احتساب هذا المؤشر لمجموعات السلع التي يتم متابعتها تتفاوت من دولة لأخرى، وذلك وفقا لكمية استهلاك السلع بين دولة وأخرى.. هذا ويتم تجميع اسعار مجموعات السلع بشكل سنوي من قبل الحكومات عن طريق اخذ عينات من المنتجات ومقارنة أسعارها السنوية بـ “فترة الأساس”،وهي اول فترة تم تجميع أسعار المنتجات لأول مرة من قبل الدول.

wdt_ID سنة الاساس الدولة
1 2012 عمان
2 2013 الكويت
3 2014 الامارات
4 2018 السعودية
5 2018 قطر
6 2019 البحرين
wdt_ID KSA الكويت قطر البحرين الامارات قطر مجموعات السلع والخدمات
1 19,0 17 24 12 14 13 الاغذية والمشروبات
2 1,0 0 0 0 0 0 التبغ
3 4,0 8 6 5 3 6 الملابس والاحذية
4 25,0 33 26 25 34 21 السكن والمياه والكهرباء والغاز و أنواع وقود أخرى
5 7,0 11 4 7 6 8 تأثيث وتجهيزات المنزل
6 1,0 1 1 2 1 3 الصحة
7 13,0 8 19 18 15 15 النقل
8 6,0 4 6 4 5 5 الاتصالات
9 3,0 4 1 5 3 11 الترفيه والثقافة
10 3,0 4 1 9 8 6 التعليم

مصادر حكومية رسمية

التضخم العالمي

تسببت جائحة كورونا 19 في تغييرات واضطرابات اقتصادية جذرية حول العالم وكان التضخم احد هذه التغييرات العميقة في الاقتصاد العالمي. حيث أن التحول السريع في نمو التضخم من نسبة طبيعية الى جنونية كان مدفوعا بعدة عوامل منها تغير النمط الاستهلاكي للمستهلكين بشكل عام نتيجة القيود الطبية المفروضة، الأمر الذي ادى الى ارتفاع الطلب بشكل كبير، وبالتالى نقص الكمية المعروضة من منتجات وخدمات. كما أن هذه الظروف أدت إلى ارتفاعالاجور بسبب قلة الايدي العاملة القادرة على العمل في ظل القيود المفروضة.

إن التضخم والتغير في الرقم القياسي لأسعار المستهلك بشكل سريع كان له الاثر السلبي عالميا على الاقتصادات المتقدمة مثل الولايات المتحدة والمانيا، والاقتصادات الناشئة مثل تركيا وروسيا. حيث ارتفعت نسبة التضخم في الولايات المتحدة والمانيا بنسبة 7% و3% على التوالي في عام 2021، مقارنة بنسبة 1% لكلا البلدين في عام 2020. بينما ارتفعت نسبة التضخم في تركيا بنسبة 36% والبرازيل بنسبة 10% وروسيا بنسبة 8%. في حين لم تشهد العديد من الدول الاسيوية هذه القفزة في نسبة التضخم في 2021 مثل اليابان والصين واستراليا، حيث بلغت نسبة التخضم 0.03% و3% و1.5% لكل منها على التوالي. وقد كانت الإجراءات الحكومية مثل الهيمنة التصنيعية واعادة توظيف المصانع وتسهيل حركة مرور البضائع لخدمة الحاجات الجديدة للمستهلكين مع قوانين حكومية أخرى لتقنين اثار التضخم، لها دور كبير في منع انفلات التضخم وارتفاعه لنسب قياسية كما حدث في العديد من الاقتصادات العالمية. وجدير بالإشارة إلى أن الاقتصادات الاسيوية تعتبر المصدر الرئيسي عالميا لتصنيع المنتجات ونقلها لارجاء العالم، وعليه، لم تحدث حالاتالارتفاع الحاد لخدمات سلاسل الامداد و تعثر حركة نقل البضائع عالميا في هذه الدول الاسيوية لانها تعتبر مصدر البضائع وتمت خدمة حاجاتها بشكل سلس. علاوة على ذلك، فإن هذه الدول الآسيوية تمثل مصدر كبير للعمالة الخادمة في عدة صناعات مثل الفندقة والمطاعم والازياء والبناء وغيرها. وبالتالي فإن الشح الكبير في العمالة التي واجهت العديد من الدول لم يتم مواجهتها في الكثير من الدول الاسيوية لوجود هذه العمالة فيها بالاساس.

ارتفعت نسبة التضخم في الولايات المتحدة والمانيا بنسبة 7% و3% على التوالي في عام 2021، مقارنة بنسبة 1% لكلا البلدين في عام 2020

ومن الظواهر الجديدة التي طرات على ساحة التوظيف والعمالة هي ظاهرة الاستقالات الكبرى. فخلال فترة الحظر الطبي الذي اجتاح العالم والذي حول العمل اليومي من المكتب الى المنزل، قام العديد من العاملين باعادة اكتشاف انفسهم من خلال ممارسة الاعمال والهوايات التي يحبونها، مما جعلهم يتركون وظائهم التقليدية في سبيل المضي في ممارسة هواياتهم وتحقيق عائد ربحي بديل من العمل التقليدي. كما تم تغذية هذه الظاهرة من خلال الدعم الحكومي للعاملين في عدة دول حول العالم بسبب إجراءات دعم العاملين المسرحين نتيجة الجائحة. بالاضافة الى ذلك، قام الكثير من العاملين الذين تركوا وظائفهم التقليدية بالعودة لنفس الوظائف ولكن بطلب زيادة في الرواتب او عن طريق العقود، مما ترتب عليه تكاليف اضافية للشركات الموظفة لهذه العمالة.

التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي

تعتمد دول مجلس التعاون الخليجي على الواردات الخارجية من المواد الخام والمصنعة في شتى المجالات، مما يجعلها تحت ضغط الصعود الطردي للتخضم العالمي الحاصل من جراء الجائحة. ولكن هذا التاثير لم ينعكس على مؤشرات التضخم الرسمية. حيث أنه وفقًا للمركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية (GCC – Stat)، سجلت دول مجلس التعاون الخليجي متوسط معدل تضخم متواضع بلغ 2٪ في عام 2021. وقد تصدرت الكويت وقطر معدل التضخم في المنطقة بمعدل 3٪ لكل منهما. بالمقابل ، انخفض مؤشر أسعار المستهلك في البحرين بنسبة 1٪. كما أدت الإجراءات الحكومية للسيطرة على الأسعار وسياسات التدخل النقدي إلى تأخير التضخم عن الزيادة “الرسمية”. ومع ذلك ، فإن التدخلات الحكومية كبحت الشركات عن زيادة أسعارها على الرغم من المبررات الواقعية لارتفاع الأسعار، مثلزيادة أسعار السلع الأساسية ، وارتفاع أسعار النفط ، تعثر سلاسل التوريد ، والزيادة الكبيرة في اسعار الطاقة، ما أثر بشكل رئيسي على نسب الربحية للمشغلين والموردين الخليجين من دون قدرتهم على مواكبة التخضم بالمواد الاساسية وعكسها على اسعار المنتجات بشكل متناسب. مما قلص نمو نسبة التضخم مقارنة بالاقتصادات العالمية.

مصادر حكومية رسمية

ما هي عوامل التضخم؟

عالميا

هناك خمسة عوامل رئيسية دفعت عجلة التضخم عالميا: ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي ، وارتفاع اسعارالسلع المتداولة والتعبئة والتغليف، تعطل سلاسل التوريد ، نقص العمالة، وارتفاع الأجور. كما أن الحظر الصحي الذي طبقته دول العالم ما عدا قلة من الدول – مثل السويد – أدى إلى اشتعال فتيل العديد من المشاكل التي غذت نمو التضخم العالمي. حيث تسبب الحظر الصحي بالعديد من التبعات منها اغلاق المصانع و/او اعادة توظيف العديد منها لخدمة الطاقم الطبي والقطاع الصحي. وقد كان التعثر في خطوط الصناعة والانتاج اثرا سلبيا على تلبية الطلب العالمي ومتغيراته الحاصلة بسبب الجائحة. وبالتالي قامت العديد من الدول بدعم الاجراءات الاحترازية المترتبة على الجائحة من خلال دعم مالي وتقديم تسهيلات ائتمانية للمواطنين بهدف تيسير بيئة الاعمال وتعويض العاطلين عن العمل المتضررين من هذه الاجراءات. فأصبح هذا الدعم السخي المالي للمواطنين في دول العالم مصدر دخل جديد بمقابل مجاني من دون بذل مجهود ووقت لجني هذه الاموال. كما كان لهذه الهبات المالية دور في تغذية الطبيعة الاستهلاكية لشريحة كبيرة من المواطنين لاحتياجات ثانوية وغير معتادة. هذا التغير السريع في طبيعة الاستهلاك أدى إلى ضغط هائل على المصانع لتلبية احتياجات المستهلكين. على سبيل المثال ، ظهرت أزمة أشباه الموصلات في جميع أنحاء العالم نتيجة قيام مصنعي الرقائق بتعديل خطوط التصنيع الخاصة بهم لتلبية شرائح ربح أعلى في الهواتف الذكية وأجهزة الألعاب بدلاً من نماذج الشرائح القديمة / الأقل ربحًا المستخدمة في السيارات. الأمر الذث أدى إلى انخفاض الكمية المعروضة وعدم قدرة المصانع على تلبية الطلب العالمي بسبب عدم توفر المواد. بالاضافة لذلك، كان لتقييد النقل البري والجوي والبحري اثر على حركة الواردات والصادرات بين الدول، مما ترتب على ذلك تكدس تنقل البضائع من مصادر انتاجها او خلال ممرات الملاحة بانواعها. هذا التكدس الهائل في النقل بانواعه أدى إلى تاخر البضائع لعدة اشهر، مما عطل الصناعة والتجارة بشتى اشكالها. كما أن العمالة ايضا لعبت دورا مهما في هذا التعثر العالمي الذي كان مرتبطا بتعطل سلاسل التوريد وتوفير الخدمات المختلفة للمستهلكين في قطاع الخدمات العامة مثل الفنادق والمطاعم ومتاجر التجزئة. حيث أن عدم توفر العاملين بسبب الاجراءات الاحترازية خلق عدم توازن بالعرض والطلب لمكون الموارد البشرية، مما تسبب بارتفاع الاجور.

هذه التغيرات السريعة دفعت العديد من الشركات إلى تحميل هذه الارتفاعات في اسعار المواد الخام على المستهلك. حيث قامت العديد من العلامات التجارية الفاخرة برفع اسعارها وتقليص فترات الخصومات لتعويض الارتفاع في المواد الخام والتعويض عن فترات الاغلاق المفروضة من قبل الحكومات. علامات تجارية مثل شانيل ، لويس فويتون، غوتشي ، مايكل كورس ، هيرميس ، جيمي تشو ، رالف لورين ، سيلين ، وديور كانت من بين العلامات التجارية العالمية الفاخرة التي فرضت زيادة في الأسعار في عام 2021. على سبيل المثال ، بلغ الارتفاع في أسعار البيع إلى 9.1٪،بينما زادت الأسعار في محلات كروكس ولويس فويتون ورالف لورين بنسبة تصل إلى 17٪.

شانيل ، لويس فويتون ، غوتشي ، مايكل كورس ، هيرميس ، جيمي تشو ، رالف لورين ، سيلين ، وديور كانت من بين العلامات التجارية العالمية الفاخرة التي فرضت زيادة في الأسعار في عام 2021.

من ناحية أخرى ، فإن العلامات التجارية للخدمات الغذائية مثل كرسبي كريم وونديز وشيبوتليه وتاكو بيل وشيليز ودومينوز وشيز كيك فاكتوري وماكدونالدز ودانكن رفعت اسعارها لذات الاسباب. على سبيل المثال لا الحصر، فان مطاعم تاكو بيل زادت اسعاره بنسبة 10٪ وماكدونالدز ودانكن بنسبة 8٪ في الولايات المتحدة. إن احد امثلة اسباب الزيادة في الخدمات الغذائية هو ارتفاع مصادر الغذاء مثل التي حصلت في البرازيل. فوفقًا لوكالة الإحصاء البرازيلية IBGE ، ارتفعت أسعار اللحوم بنسبة 8.45٪ في عام 2021. أخذا بعين الاعتبار أن البرازيل تعد أكبر مصدر للحوم البقر في العالم، وهذا التضخم لمصدر اللحوم تسبب في ارتفاع اسعار اللحوم في المطاعم والتجهيزات الغذائية عالميا.

ارتفعت أسعار اللحوم في البرازيل بنسبة 8.45٪ في عام 2021

ومن المتوقع أن تحدث زيادة أخرى هذا العام مع استمرار تفاقم أزمة روسيا وأوكرانيا. حيث تعتبر روسيا وأوكرانيا من المصدرين الرئيسيين لأكثر من ربع صادرات القمح العالمية في العالم. كما أن صادرات أوكرانيا تمثل ما يقرب من نصف صادرات زيت عباد الشمس. ومع استمرار الحرب ، قد تواجه سلسلة التوريد اضطرابات شديدة في الإمدادات الغذائية وستؤدي إلى تفاقم الاختناقات الحالية في سلسلة التوريد. على سبيل المثال ، ستسبب أوكرانيا – كونها سلة خبز أوروبا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا- نقصًا كبيرًا في الإمدادات ومشكلات تتعلق بالأمن الغذائي في السوق إذا فشلت عملية شحن الحبوب إلى البلدان المستوردة. وبالنظر إلى الوضع الحالي ، أدت الحرب إلى فرض حظر على جميع السفن التجارية في البحر الداخلي لآزوف التي تربطها بالبحر الأسود، مما يؤثر على النقل البحري للإمدادات الغذائية. الأمر الذي سيؤدي إلى مزيد من الضغط على الموردين والمصدرين لرفع الأسعار. ومع هذه التغييرات ، تعمل البلدان على تنويع مصادر الإمدادات الغذائية وتغيير الغرض منها لمواكبة الطلب المتزايد في السوق.

خليجيا

أسعار السلع والسلع الاستهلاكية تتأثر بشكل مباشر في دول مجلس التعاون الخليجي باسعار التجارة العالمية وذلك للاعتماد بشكل شبه كامل على الواردات العالمية. حيث تستورد دول الخليج ما يعادل 90% من سلعها من مصادر اقليمية ودولية. على سبيل المثال لا الحصر، ظاهرة التغير المناخي اثرت على العديد من المحاصيل الزراعية والمواد الاولية في المنتجات الاستهلاكية مثل الكاكاو والاعلاف الداخلة في غذاء الابقار المنتجة اللحليب ومشتقاته. الأمر الذي دعى العديد من الدول المنتجة للكاكاو الخام إلى القيام بزيادة اسعارهم لقلة المحاصيل نتيجة لظاهرة التغير المناخي. وكذلك كانت هناك زيادة بنسبة تتراوح بين 25% الى 50% في اعلاف الحيوانات المنتجة للالبان. هذه الزيادات كانت لها تاثير مباشر على المستوردين في منطقة الخليج،ما كبدها الخسائر او قلص ارباحها بشكل كبير. بالإضافة إلى ذلك ، فإن التداعيات المستمرة التي تسببها أزمة COVID-19 لها تأثير متعدد المستويات. حيث أدت القفزات الكبيرة في تكاليف الشحن البحري والجوي بما في ذلك النقل البري خارج البلاد إلى زيادة التكاليف. على سبيل المثال ، ارتفع متوسط سعر الشحن لحاوية 40 قدمًا بنسبة 348٪ مقارنة بتكلفة ما قبل الجائحة، وذلك وفقا لما تمت مناقشته خلال مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد).

ارتفع متوسط سعر الشحن لحاوية 40 قدمًا بنسبة 348٪ مقارنة بتكلفة ما قبل الجائحة

وفي هذا الصدد، ووفقًا لإحصاءات دول مجلس التعاون الخليجي ، كان الرقم القياسي لأسعار المستهلك في دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2020 قد بلغ مستوى 100.08، بارتفاع بنسبة 2٪ مقارنة بالعام السابق. حيث سجلت المشروبات الكحولية والتبغ أعلى أسعار للسلع بمستوى 113.29،وبنسبة تضخم بلغت 7٪. هذا التضخم في هذه المنتجات كان نتيجة الضريبة الانتقائية للمنتجات الضارة. هذا وقد طبقت دول الخليج ما عدا الكويت هذه الضريبة خلال السنوات السابقة. حيث طبقت السعودية والامارات والبحرين الضريبة الانتقائية في 2017 وتلتها قطر في 2019 وسلطنة عمان في 2020. ويهدف فرض الضريبة الانتقائية إلى الحد من استهلاك السلع غير الصحية والضارة. بينما سيتم استخدام الإيرادات المحصلة من هذا النوع من الضرائب لمشاريع الخدمة العامة. كما تخضع منتجات التبغ لضريبة انتقائية بنسبة 100٪ وهو ما انعكس في ارتفاع أسعار المستهلك لهذا المنتج منذ عام 2017 حتى العام الماضي.

المركز الاحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربي

وتجدر الإشارة إلى أن المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية والمطاعم والفنادق والمفروشات تهيمن على مؤشر أسعار المستهلك بمؤشرات 108.46 و 105.44 و 103.19 على التوالي. وتعتبر العديد من المنتجات خاضعة للضريبة الانتقائية في الكثير من هذه القطاعات، والتياثرت عليها بشكل مباشر مثل مشروبات الطاقة بنسبة 100٪ في الإمارات العربية المتحدة ، والمشروبات الغازية بنسبة 50٪ في المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين ، والمشروبات بنسبة 50٪ في سلطنة عمان.

إن فيروس كورونا كان له تاثير مباشر على العاملين الاجانب في دول مجلس التعاون. حيث اثرت الجائحة على وظائفهم اما بالتسريح او تخفيض الرواتب، مما ترتب عليه اما مغادرة هذه العمالة من دول الخليج او تقليل مصاريفهم في فترات الاغلاق. وقد أدت مغادرة العمالة بسبب انقطاع الاعمال الى نقص حاد في توفرها مرة أخرى بعد تقليل/انتهاء الاحترزات الصحية في البلاد. وبالتالي ادى الى ارتفاع الاجور. كما تعتمد اسواق العمل في قطاعات المطاعم والفندقة والتجزئة وغيرها في الكويت وقطر والإمارات بشكل أساسي على العمالة الاجنبية. وعليه، حالت الاغلاقات المستمرة للمطارات من اجتذاب العمالة للاسواق المحلية لتلبية احتياجات السوقللاعمال الحالية والتوسعية للشركات. هذا وتعتمد الشركات على التوظيف من الدول الام مثل الهند والفلبين ونيبال اكثر من التوظيف لهذه الجنسيات من السوق المحلي وذلك لضمان استمرارية العمالة لدى الشركات لفترات لا تقل عن السنتين، والالتزام بالحد الادنى للرواتب حسب القوانين المعمول بها. حيث كانلانقطاع عمليات التوظيف للعمالة من الخارج انعكاس في زيادة الرواتب في دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 9٪ في عام 2021 مقارنة بنسبة 1٪ في عام 2020. ومع ذلك ، لوحظ تأثير أقل حدة في أسواق العمل في المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان بسبب توطين القوى العاملة في الكثير من القطاعات.

وبناء عليه، فإن التاثير الذي القى بظلاله على العمالة الاجنبية لم يكن له اي تاثير على العاملين في القطاع الحكومي لاغلب هذه الدول، بسبب ضمان حكومات مجلس التعاون لوظائف موظفيها ورواتبهم خلال الحظر الصحي وانقطاع الاعمال. كما لم يتأثر المستهلك الخليجي بظاهرة التسريح العالمية التي شهدتها، واستفاد من بعض حزم التحفيز الحكومية المساندة التي تم إطلاقها لدعم الاقتصادات المختلفة في دول مجلس التعاون الخليجي. الأمر الذي أدى إلى زيادة الإنفاق الاستهلاكي وبالتالي زيادة التضخم.

شركة جلوبل ماركتس

تاثير التضخم على قطاع المطاعم

طورت شركة جلوبل ماركتس نظاما ذكيا لتتبع أسعار الوجبات في المطاعم في دول مجلس التعاون الخليجي. هذا النظام يتتبع اكثر من 40 الف مطعم في دول الخليج من ناحية اسعار المنتجات المدرجة في منصات التوصيل منذ عام 2018. حيث لوحظ في التحليلات الدورية لهذه الاسعار زيادة في اسعار الوجبات بنسبة 3% في عام 2021. كما أن هذه العينة من 40 الف مطعم في دول مجلس التعاون تحتوي على العديد من تصنفيات المطاعم وفئات اسعارها ونوع الزبائن المستهدفين فيها. إن الزيادة المسجلة في الأسعار لم تكن متناسبة مع الزيادة المسجلة في التضخم العالمي او الزيادة المسجلة في تقارير التضخم للمركز الاحصائي الخليجي. ويعود ذلك الى عدة اسباب منها ان العديد من تصنيفات المطاعم كانت تعتمد على اسعارها العالية اساسا لاعتمادها على القوة الشرائية العالية في العديد من دول الخليج، مما قلص الربحية من دون الحاجة الى ترحيل التضخم على المستهلك. بالاضافة الى ذلك، قامت العديد من المطاعم بتوزيع زيادات الاسعار بشكل ضئيل على عدد محدود من المنتجات بشكل مستمر، وذلك لتفادي ملاحظة المستهلك لهذه الزيادات. ولكن هذه الاسباب لم تمنع العديد من سلاسل المطاعم لترحيل التضخم العالمي الى المستهلك مما تسبب بحملات راي عام مضادة لهذه المطاعم مثل ما حصل مع سلسلة مطاعم كنتاكي في دبي. حيث قامت بزيادة اسعارها بنسبة 32% و40%. وقام مطعم البيك ايضا في المملكة العربية السعودية بزيادة في اسعاره بنسب متفاوتة على وجباته مما ترتب عليه تاثير راي عام سلبي ادى الى حذف الخبر في وسائل التواصل الاجتماعي. كما أن شركات مثل نادك والصافي دانون اجبروا على زيادة اسعارهم بسبب زيادة اسعار الاعلاف عالميا. حيث أن نادك والصافي يعتبران من اهم الموردين لمشتقات الحليب الى المطاعم والفنادق في دول الخليج.

شركة جلوبل ماركتس

ومن المتوقع أن يستمر المستهلك الخليجي باستعشار مرارة طعم التضخم في مشترايته اليومية الى حد قريب في ظل عدم الاستقرار الصحي والاقتصادي والسياسي العالمي. إن الاحداث العالمية الهائلة منذ بداية جائحة الكورونا في بداية عام 2020 وحتى الحرب الروسية الاوكرانية كان لها تاثير هائل في تحول دفة الاقتصاد في العديد من الدول العالمية.


Posted

in

by