الحرب والمقاطعة في الشرق الاوسط

مقدمة

المعروف عن  الشعوب في دول الشرق الأوسط اتخاذهم لموقف بمقاطعة المنتجات والخدمات التي تتعارض مع قيمهم. فخلال حملات المقاطعة، يميل المستهلكون عادةً إلى التوقف عن استخدام المنتجات والخدمات المرتبطة بالإساءة لقيمهم ومعتقداتهم، وبدلاً من ذلك يقومون بدعم البدائل المحلية. حيث أنه في عامي 2005 و 2006، قامت الشعوب المسلمة بمقاطعة منتجات السلع الاستهلاكية الدنماركية بسبب قيام رسام دانماركي بنشر رسوم كاريكاتورية مسيئة عن النبي محمد (ص). كما وقعت حملة مشابهة في عام 2008 بسبب نشر وسائل إعلام فرنسية رسوم مسيئة مشابهة، مما أدى إلى مقاطعة منتجات فرنسية أوسع نطاقًا في  دول الشرق الأوسط. كانت هذه المقاطعات لها تأثير مالي كبير على الشركات الدنماركية والفرنسية خلال هاتين الحادثتين. على سبيل المثال، أفادت شركة أرلا فودز (شركة ألبان دنماركية-سويدية) بخسارة بلغت 60 مليون دولار في عام 2006 نتيجة لمقاطعة منتجاتها من قبل شعوب الدول الإسلامية.

حرب غزة 2023

الجدول الزمني

بدأت أحداث الحرب في السابع من أكتوبر، وتبعتها أسبوع واحد من الصدمة في الأسواق وبين المستهلكين حيث لم تتخذ الشركات والعلامات التجارية مواقف بشأن هذه الحرب. ثم بدأت التقارير عن اتخاذ المواقف تظهر في الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي بعد مرور نحو أسبوع من تلك الأحداث، حيث أبدت الشركات الإسرائيلية المشغلة للعلامات التجارية العالمية في اسرائيل تضامنها ودعمها لقوات الدفاع الإسرائيلية من خلال تقديم دعوم بشكل مالي او كوجبات طعام ومشروبات ومنتجات. أثارت مثل هذه التقارير احتجاجات المستهلكين الضخمة في جميع أنحاء العالم وخاصة في دول الشرق الأوسط. تعرضت العلامات التجارية المتواجدة في هذا الإقليم لانتقادات حادة وتم التشهير بها في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي. بدأت حركة مقاطعة المستهلكين على وسائل التواصل الاجتماعي تكتسب قوة في الأسبوع الثالث من أكتوبر عن طريق المؤثرين الاجتماعيين ومن ثم انضم إليها المستهلكون العاديون. بدأت العلامات التجارية تشهد تباطؤًا في حركة الزوار في الأسبوع الثالث من أكتوبر، وأصبح من الواضح أن الجمهور العام اتخذ موقفًا قويًا ضد هذه العلامات التجارية.

التاثير السوقي الحالي

منذ الأسبوع الثالث من أكتوبر، العلامات التجارية الرائدة والمتصدرة من حيث حصة السوق وانتشار السوق باتت هي المتضرر الرئيسي من المقاطعة الاجتماعية لها . تعمل هذه العلامات التجارية في الأسواق المحلية منذ سنوات طويلة في الاسواق المحلية وقد نمت حصتها في السوق لتهيمن على اللاعبين الآخرين. في الواقع،  قامت هذه العلامات بتثبيت ثقافة وعادات خدمة الطعام للمستهلكين. الأثر السوقي الزلزالي الحالي لهذا الصراع أكثر يعتبر اكثر شدة من تأثير فيروس كوفيد-19. لم يكن الولاء للمستهلك والثقة في العلامة التجارية موضوع شك خلال إجراءات الإغلاق بسبب جائحة كوفيد-19 بل كان التباطؤ السوقي ناتج عن الذعر الصحي المفروض من الحكومات العالمية. المبادرات الاجتماعية شبه المستقلة التي اتخذتها شركات الامتياز في المنطقة لدعم جانب على حساب الآخر لها تاثير كبير في حملات المقاطعة الاجتماعية. على سبيل المثال، قدمت العلامات التجارية وجبات مجانية لقوات الدفاع الإسرائيلية في حين تبرعت نفس العلامات التجارية في دول الشرق الأوسط والبلدان الإسلامية بأموال لدعم الجهود الإنسانية في غزة. بالإضافة إلى ذلك، قامت حركة وسائل التواصل الاجتماعي للمستهلكين بإبراز أي موقف اجتماعي أو ديني أو سياسي تاريخي سابق من قبل هذه العلامات التجارية لإثبات اصطفافهامع الجانب المضاد، مما أدى إلى زيادة الشك في مواقف العلامات التجارية السياسية في الصراع.

إن إنفاق المستهلكين في أماكن خدمة الطعام يعتبر مكررا طوال الشهور بحيث يكون الإنفاق أكبر في الأسبوع الرابع والأول من الشهر نتيجة لصرف الرواتب في هذين الاسبوعين. لم يكن شهر أكتوبر استثناءً، باستثناء حقيقة أن المبيعات تغيرت في الأسبوع الثالث وتراجعت بشدة في الأسبوع الرابع من الشهر. وفقًا للبحث الأساسي الذي أجرته الأسواق العالمية، فإن العلامات التجارية الرائدة في مجال خدمة الطعام العالمية التي تم استبعادها شهدت انخفاضًا في مبيعاتها بنسبة 70% في المتوسط في الأسبوع الرابع من أكتوبر مقارنة بأكتوبر عام 2022 وذلك للعلامات التجارية التي سجلت لها مواقف سياسية من الصراع لا تتوافق مع الرأي السياسي السائد للمستهلكين.

إلى أين ذهب الإنفاق على البرغر والقهوة؟

كثيرون تنبأوا بأن العلامات التجارية المحلية قامت بامتصاص حصة السوق المفقودة للعلامات التجارية العالمية الرائدة خلال شهر أكتوبر، الإجابة هي نعم ولا. أولاً، العلامات التجارية العالمية الرائدة المعنية تقود السوق بأداء يتجاوز مرتين إلى أربع مرات أداء منافسيها المباشرين في المركز الثاني والثالث من حيث حصة السوق. هذا التفوق في السوق ينبع من انتشارهم الواسع في عدد المنافذ وموقع المنافذ التي تقدم المنتجات والأسعار المناسبة عند متناول المستهلكين سواء من خلال تطبيقاتهم أو من خلال محلات الدرايف-ثرو. هذه الراحة في السعر والقرب غير متوفرة لدى منافسيهم في المركز الثاني من حيث حصة السوق. العلامات التجارية المحلية والعالمية التي تأتي في المركز الثاني والثالث قد ارتفعت حصتها في السوق بين 5% إلى 15% بينما لم يشهد اللاعبون الأصغر نموًا يُذكر كما سجلت شركة جلوبل ماركتس في كشفها السوقي لسوق المطاعم في دولة الكويت.

استمرارية المقاطعة؟

بالنظر إلى حركات المقاطعة السابقة، يُتوقع أن تستمر المقاطعة لمدة شهرين إلى ثلاثة أشهر بعد انتهاء الحرب، إذا لم تمتد إلى 6 أشهر بسبب حدة وتأثير هذا الصراع على الجانب الإنساني.

محاولات غير ناجحة للسيطرة على الأضرار

عند بداية حملة المقاطعة على وسائل الاجتماعيي من قبل المستهلكين، قامت العلامات التجارية المتضررة بإصدار بيانات صحفية ومنشورات تنفي من خلالها علاقة العلامة التجارية بأي موقف سياسي. إلا أن تلك المحاولات لم تحقق الغرض المطلوب منها وسببت ردود فعل سلبية إضافية لدرجة أن قامت تلك العلامات التجارية بحجب الردود على منشوراتها في هذا الخصوص

التاثير السوقي المستقبلي

من غير المرجح بشكل كبير أن تُغلق العلامات التجارية الرائدة في مجال البرغر والقهوة في أي من دول الشرق الأوسط والبلدان الإسلامية بسبب عوامل اختراق السوق الكبير الذي تمتاز به في السوق الكويتي. ومع ذلك، من المتوقع أن تنكمش حصصهم في السوق في المدى القصير، وسيكون من الصعب استعادتها من المنافسين المباشرين. يجب على العلامات التجارية العمل بجد لإعادة بناء صورتهم في السوق، مما سيساعدهم على استعادة حصتهم في السوق. من الواضح اليوم في واقعنا الاقتصادي العالمي المترابط بان يجب ان تقوم هذه العلامات بفصل “الراي” السياسي والديني والاجتماعي عن الاعمال التجارية. يمكن تدمير جهود بناء العلامة التجارية والاجتماعية التي استغرقت 30 عامًا في وجبة واحدة تُهدي لعدوك السياسي.

عن شركة جلوبل ماركتس

شركة جلوبل ماركتس هي شركة استشارات متخصصة في أبحاث السوق وتوفير المعلومات الذكية للأعمال. حيث تطبق شركة جلوبل ماركتس منهجيات بحثية عالمية تم تكييفها لسوق الخليج العربي وذلك للتوصل الى نتائج بحثية دقيقة. تقوم جلوبل ماركتس ببناء معلومات واقعية تعكس متغيرات الأسواق والصناعات في الخليج العربي. كما أن بناء المعلومات في السوق الخليجي يتطلب تغطية أكبر للعينة البحثية قد يصل في كثير من الأحيان الى 100% وذلك لافتقار هذه الأسواق لمعلومات حالية او تاريخية يمكن استخدامها للأبحاث. حيث أن هذه التغطية الكبيرة تساعد جلوبل ماركتس والعملاء على الوصول الى نتائج بحثية جديدة لم تكن ممكنة بالسابق مثل ذكاء الاعمال الجيوغرافي وذكاء الاعمال العقاري والحصص السوقية حسب العلامات التجارية والصناعات الفرعية.